by سولافة مجديMay 31, 2024
Read this article in English here.
الناشطون في المنفى: التحديات، الفرص، التجارب المعاشة
ندوة عبر الإنترنت مقدمة من المركز الدولي للنزاع غير العنيف ومؤسسة HuMENA لحقوق الإنسان والمشاركة المدنية، بدعم من ActionAid الدنمارك.
الجمعة 21 يونيو 2024 من الساعة 17:30 إلى 19:00 بتوقيت وسط أوروبا (اعرف منطقتك الزمنية).
اليوم، أجلس خلف شاشة حاسوبي في شرفة منزلي في مدينة بجنوب فرنسا حيث استقريت الآن. أكتب عن تجاربي والتحديات التي واجهتها بعدما أجبرت على مغادرة مصر قبل نحو ثلاث سنوات. وبينما أكتب هذه السطور وأتأمل فيما حدث، أدرك أن ما مررت به لم يصبح بعد جزءاً من الماضي. تأخذني أفكاري إلى ثلاث سنوات مضت وأكثر، حينما كنت جالسة في شرفة منزلي بوسط القاهرة، أتأمل ما ينتظرني وأتساءل كيف يمكنني التعافي ومواصلة عملي الصحفي. في ذلك الوقت، لم أتخيل أبداً أنني سأصبح جزءاً من الشتات وأواصل رحلتي من بلد آخر، أبدأ من نقطة الصفر.
لم تكن رحلتي سهلة. واجهت العديد من التحديات في استئناف عملي الصحفي، فقدان الوطن والحنين له، الانفصال عن أحبائي وأسرتي.
تبدأ الأحداث في مساء 26 سبتمبر 2021، اضطررت لمغادرة مصر لأسباب أمنية وسياسية، بعد مرور ستة أشهر على اطلاق سراحي من الاعتقال السياسي، حيث قضيت ما يقارب العامين في الحبس الاحتياطي بسبب عملي الصحفي.
اصطدمت بعدة عقبات على رأسها تعلم لغة جديدة، والبحث عن التعافي والدعم النفسي، لا أقصد بحديثي هذا أن أشكو مما أنا عليه اليوم، فلقد حظيت بهذه الفرصة بعدما تم تكريمي ومنحي الجنسية الفرنسية الفخرية من قبل عمدة بلدية باريس.
ومنذ أن وطأت قدمي الأراضي الفرنسية، كان استئناف عملي تحديًا يشغلني، بدا لي أن الاستسلام للإحباط هو المسار الأسهل، لكنني اخترت المقاومة بديلا. أدركت أن صوتي كصحفية لا يزال يحمل أهمية، جئتُ محملة بوعود وعزيمة عن نقل معاناة شعبي إلى العالم، والدفاع عن الإنسان وحقوقه، ولذا، عزمت على تقسيم جهودي إلى مسارين رئيسيين، أولهما:
رفضت أن يُخرس صوتي في المنفى. قدمت برنامجين مصورين واذاعي "Podcasts" يهدفان إلى ربط صانعي القرار والحكومات الغربية بالصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان في مصر، بما في ذلك أولئك الذين اضطروا لمغادرة وطنهم لأسباب سياسية أو أمنية. كنت أهدف إلى أن أكون صوتًا للمهمشين ونافذة على واقع مخفي عن الكثيرين، مسلطة الضوء على كيف أثر التعاون العسكري بين الدول الغربية ودعمها للنظام الديكتاتوري في مصر على حقوق الإنسان وقمع المجال العام. من خلال هذا، تمكنت من بناء جسر بين هؤلاء الصحفيين وصناع القرار الغربيين. قادني إيماني بأن نقل معاناة الصحفيين والنشطاء إلى مسامع الغرب يمكن أن يحدث فرقًا حقيقيًا.
أؤمن أن الصحافة الحرة هي أداة قوية للتغيير وأن مشاركة أصوات من تم إسكاتهم ضرورية لتعزيز الديمقراطية والعدالة في جميع أنحاء العالم.
مهمتي ليست سهلة، لكن إصراري على إعطاء صوت لمن لا صوت لهم هو دافع قوي لمواصلة العمل. أردت التركيز على القضايا التي لم تتلقَ تغطية كافية، مسلطاً الضوء على الانتهاكات التي تحدث في السجون المصرية والظروف اللاإنسانية التي يواجهها السجناء السياسيون، وخاصة النساء.
تجربتي كصحفية في المنفى ليست التحدي الوحيد الذي واجهته. لقد قضيت بعض الوقت كسجينة سياسية في مصر وتعرفت عن كثب على معاناة النساء السجينات. وحينما أتيحت لي الفرصة لأن أكون صوتاً لهن من خلال زمالتي مع معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط في الولايات المتحدة، كرست وقتي لتوثيق أوضاع سجون النساء.
عملت على نشر مقالات توثق شهادتي وشهادات السجينات السياسيات السابقات، ألقت هذه المقالات الضوء على حياتهن اليومية خلف القضبان، وكيف يعشن ويقاومن الاضطهاد، كيف تبدو الحياة خلف القضبان مع الزميلات السجينات وحارسات السجن، وكيف يقاومن للبقاء أحياء كل يوم رغم التنكيل. بالإضافة إلى ذلك، نظمت اجتماعات في الكونغرس الأمريكي لجذب الانتباه إلى معاناة هؤلاء النساء. طالبنا الكونغرس بالضغط على النظام المصري لإنهاء الاعتقالات التعسفية وتأمين الدعم والتوقيعات على رسالة من تجمع نساء الكونغرس من الحزبين، تحث الرئيس السيسي على الإفراج عن السجينات السياسيات ثم الإفراج عن جميع السجينات السياسيات، ووقف الحبس الاحتياطي كعقوبة بحق المدافعين/ات .
صحيح أن تجربة السجن قاسية ومليئة بالمقاومة والخوف، لكنها كانت أيضاً فرصة للتعلم والنمو والتشبث بالمبادىء والحياة. استمعت إلى قصصٍ من نساء سُجِنَّ بسبب آرائهن السياسية أو نشاطهن في حقوق الإنسان، وشهدت الانتهاكات اليومية التي كُن يتعرضن لها. لقد كنت يوماً ضحية لتلك الانتهاكات وسوء المعاملة.
وها هُنا أنا اليوم، اكتب وأدون واتحدث بصوت عالي، أنا هُنا اليوم، اكمل ما بدأته منذ سنوات في مصر، بقلم وكاميرا هاتف محمول، اوثق وادافع عن حقي وحقوق الكثيرين من أبناء وطني وزملاء عملي ورفيقات زنازين باردة مظلمة.
واليوم، عندما أتأمل في رحلتي، أفخر بصلابتي، وافخر أيضا بلحظات انهزامي، أفخر بعزيمتي التي حولت مصاعبي إلى فرص للدفاع عن حقوق الإنسان والعدالة، حتى من المنفى.
اليوم أيضا، احصي الساعات والأيام والسنوات التي سأشهد فيها لحظة عودتي إلى وطني، مرفوعة الرأس.
سولافة مجدي صحفية مصرية، حائزة على عدة جوائز ، معتقلة سياسية سابقة قرابة عامين في مصر بسبب عملها الصحفي، تقيم حاليا بفرنسا، بعد تكريمها من قبل عمدة باريس بالمواطنة الفرنسية الفخرية. تخرجت سولافة في كلية الحقوق في مصر، وتعمل كصحفية مستقلة غطت تقاريرها فهمًا عميقاً للقضايا التي تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، من التحولات السياسية إلى القضايا الملحة لحقوق الإنسان.
Read More